فصل: الثالث والثلاثون ما جاء في التنزيل قد حذف منه المضاف إليه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إعراب القرآن **


 الثاني والثلاثون ما جاء في التنزيل من حذف حرف النداء والمنادى

وذلك حسن جائز فصيح ورد به الكلام وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل من قوله‏:‏ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا‏.‏

ومنه قوله تعالى‏:‏ يوسف أعرض عن هذا أي‏:‏ يا يوسف‏.‏

أما قوله‏:‏ ثم انتم هؤلاء تقتلون أنفسكم فقد قيل‏:‏ التقدير‏:‏ ثم انتم يا هؤلاء فأنتم مبتدأ وتقتلون الخبر وهؤلاء نداء اعترض بين المبتدأ والخبر كما اعترض بين الشرط والجزاء في قوله‏:‏ قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني أي‏:‏ يا رب‏.‏

وكما اعترض بين المصدر ومعموله في قوله‏:‏ فندلاً زريق المال ندل الثعالب وكقوله‏:‏ أوساً أو يس من الهباله ونحن نقول‏:‏ إن أنتم مبتدأ وهؤلاء على وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ ثم أنتم كهؤلاء‏.‏

وإن شئت‏:‏ هؤلاء بمعنى الذين أي‏:‏ أنتم الذين تقتلون أنفسكم كما قال عز من قائل‏:‏ أولاء على أثري‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا‏.‏

إن شئت كان ربنا من صلة قوله‏:‏ واغفر لنا أي‏:‏ واغفر لنا ربنا فتقف على ربنا وإن شئت ابتدأت فقلت‏:‏ ربنا إنك أنت العزيز الحكيم‏.‏

فإنما قلنا‏:‏ لا يكون هؤلاء على‏:‏ يا هؤلاء لأن هؤلاء يجوز أن يكون وصفاً لأي فتقول‏:‏ يا هؤلاء أقبل كل ما يوصف به أي‏:‏ لا يحذف منه حرف النداء ألا ترى أنه لا يجوز‏:‏ رجل أقبل لأنك تقول‏:‏ يا أيها الرجل أقبل وتقول‏:‏ زيد أقبل لأنك لا تقول‏:‏ أيها الزيد أقبل‏.‏

وأما قوله‏:‏ أمن هو قانت آناء الليل فيمن خفف فقد قيل‏:‏ إن الهمزة بمعنى يا والتقدير‏:‏ يا من هو قانت فأقيمت الهمزة مقام يا‏.‏

قال أبو علي‏:‏ المعنى‏:‏ أمن هو قانت كمن هو بخلاف هذا الوصف ولا وجه للنداء هاهنا لأن الموضع موضع معادلة فليس النداء مما يقع في هذا الموضع إنما يقع في نحو هذا الموضع الجمل التي تكون أخباراً وليس النداء كذلك‏.‏

ويدل على المحذوف هنا قوله‏:‏ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون لأن التسوية لا تكون إلا بين شيئين وفي الجملتين في الخبر فالمعنى‏:‏ أمن هو قانت كمن جعل لله أنداداً ليضل عن سبيله‏.‏

وكما جاز حذف حرف النداء فيما تقدم جاز حذف المنادى كما قال‏:‏ يا ليتنا نرد أي‏:‏ يا قوم ليتنا نرد‏.‏

ومثله‏:‏ يا ليت بيني وبينك ويا ليت قومي يعلمون وما أشبه ذلك‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء فقد قال المبرد‏:‏ إن التقدير‏:‏ ألا يا هؤلاء اسجدوا فحذف المنادى‏.‏

والذي اختاره أبو علي‏:‏ أن الجملة هاهنا كأنها المنادى في الحقيقة وأن يا هاهنا أخلصت للتنبيه مجرداً من النداء كما أن ها من قوله‏:‏ ها أنتم هؤلاء جادلتم للتبيه من غير أن تكون للنداء‏.‏

وقال أبو علي‏:‏ وجه دخول حرف التنبيه على ألا من انه موضع يحتاج فيه إلى استعطاف امأمور لتأكيد ما يؤمر به عليه كما أن النداء موضع يحتاج فيه إلى استعطاف المنادى لما ينادى له من إخبار أو أمر أو نهي أو نحو ذلك مما يخاطب به وإذا كان كذلك فقد يجوز ألا يريد منادىً في نحو قوله‏:‏ ألا يسجدوا كما يريد المنادى‏:‏ وكذلك ما حكي عن أبي عمرو من قوله‏:‏ يا ويلاً له‏.‏

ويؤكد ذلك قوله‏:‏ هلم‏.‏

وبناؤهم ها للتنبيه مع لم وجعلها مع الفعل كشيء واحد وإجماع الناس على فتح آخر الكلمتين في اللغتين‏.‏

وكما لا يجوز أن يراد هاهنا مأمور لبناء الكلمتين على الفتح وإن فكت إحداهما من الأخرى بل لا يسوغ إرادة المنادى لمكان بنائهما معاً وجعلهما بمنزلة شيء واحد كذلك يجوز لك ألا تريد مأموراً في قوله‏:‏ ألا يسجدوا‏.‏

ويجوز لأن يراد تقدير مأمورين فحذفوا كما حذف من قوله‏:‏ يا لعنة الله والأقوام كلهم وكما كان يا هذا لا يكون إلا لغير اللعنة كذلك يجوز أن يكون المأمورون مرادين وحذفوا من اللفظ‏.‏

قال أبو علي في قوله‏:‏ ها أنتم هؤلاء يحتمل ضربين‏:‏ يجوز أن يكون ها للتنبيه دخلت على أنتم ويكون التنبيه داخلاً على الجملة كما دخل في قولهم هلم وكما دخلت يا للتنبيه في نحو ألا يسجدوا‏.‏

ويجوز أن يكون الهاء في انتم بدلاً من همزة الاستفهام كما كان بدلاً منها في قول ابن كثير حيث قرأ ها أنتم على وزن هعنتم وتكون الألف التي تدخل بين الهمزتين لتفصل بينهما كما تدخل بين النونين لتفصل بينهما في إحسانان وجاز ها انتم ولم يجزها قوم لشبه المضمر بالميم في الإبهام‏.‏

وأما قوله‏:‏ قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له إبراهيم فيمكن أن يكون من هذا الباب وأما قوله‏:‏ وجعلناه هدىً لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلاً ذرية من حملنا فقد قيل‏:‏ التقدير‏:‏ يا ذرية وقيل‏:‏ قوله ذرية مفعول ثان لتتخذوا ووكيلاً الأول فيمن قرأه بالتاء‏.‏

وأما قوله‏:‏ قل اللهم مالك الملك وقل اللهم فاطر السموات والأرض فالميم في آخر اللهم بدل من يا فيقال‏:‏ يا الله واللهم‏.‏

وانتصاب قوله‏:‏ مالك الملك على نداء آخر أي‏:‏ يا مالك الملك ويا فاطر السموات كقوله‏:‏ رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الأحاديث فاطر السموات أي‏:‏ يا فاطر السموات‏.‏

وأبو العباس يحمله على موضع المنادى كقولهم‏:‏ يا زيد أخا عمرو‏.‏

وسيبويه لا يرى ذلك لأنه لما ضمت الميم إلى الكلمة صارت الأصوات التي لا توصف‏.‏

ومثله قراءة من قرأ‏:‏ طوبى لهم وحسن مآب بالنصب أي‏:‏ يا حسن مآب فحذف‏.‏

 الثالث والثلاثون ما جاء في التنزيل قد حذف منه المضاف إليه

وذلك يجيء أكثرها من كلمات تلت‏:‏ قبل وبعد وكل‏.‏

فأما قبل وبعد إذا كانا مضافين فإنهما معربان وإذا كانا مبنيين كان المضاف إليهما قد حذف منهما ونوى فيهما فاستحقا البناء وذلك قوله تعالى‏:‏ وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا أي‏:‏ كانوا من قبل مجيئه أي‏:‏ مجيء الكتاب يعني القرآن أي‏:‏ يستفتحون على الذين كفروا فحذف المضاف‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات أي‏:‏ من قبل مجيئهم‏.‏

وقال‏:‏ لله الأمر من قبل ومن بعد أي‏:‏ من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء وقرئ‏:‏ لله الأمر من قبل ومن بعد ولم يبنيا وجعلا اسمين من غير تقدير المضاف إليه‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ ولكل وجهة أي‏:‏ ولكل أهل قبلة وجهة فحذف المضاف‏.‏

وكذلك‏:‏ كل له قانتون أي‏:‏ كل من في السموات والأرض‏.‏

وكذا‏:‏ وكل أتوه داخرين أي‏:‏ وكلهم‏.‏

وكذا‏:‏ كل في فلك يسبحون أي‏:‏ كل ذلك‏.‏

وكذا قوله‏:‏ إنا كل فيها أي‏:‏ كلنا فحذف المضاف إليه‏.‏

فأما قوله فيما فلا يخلو قوله فيها أن يكون صفة أو حالاً فإن حملته على الحال لم يستقم لأنه ليس في هذا الكلام ما يكون هذا حالاً عنه وإذا لم يستقم أن يكون حالاً كان صفة وإذا كان صفة كان كل نكرة وإذا كان نكرة جاز دخول لام المعرفة عليه‏.‏

فإن قلت‏:‏ فأجعله حالاً وأحمله على المعنى لأن معناه الجميع وكأنه قال‏:‏ نجتمع مستقرين فهذا لا يستقيم‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ هذا التأويل ليس بالقريب لأن المعنى كأنه ليس عليه لأنه ليس يريد‏:‏ إنا كل وإنا فيها أي جمعنا الأمرين ولكن المعنى على الصفة ولا حجة في هذا أن كل نكرة لأنه يجوز أن يجعل كلا مبتدأ ثانياً وفيها خبره فيها التقدير‏:‏ إنا كلنا فيها إن الأمر كله لله‏.‏

فإن قلت‏:‏ واجعل فيها وكل جميعاً الخبر لأن ذلك كما قال سيبويه في قوله‏:‏ وهذا بعلي شيخ ومثل‏:‏ حلو حامض‏.‏

فإذا كان كذلك جاز أن يتعلق بالمضمر على حد‏:‏ زيد في الدار فإذا جاز ذلك لم يكن صفة وإذا لم يكن صفة لم يكن هذا دليلاً قاطعاً على أن كل نكرة وإذا لم يكن نكرة لم يجز دخول اللام عليه فهذا يمكن أن يقال‏.‏

ويجوز أن يكون كل ابتداء وفيها خبراً والجملة خبر إن كقوله‏:‏ إن الأمر كله لله وكقوله‏:‏ والمؤمنون كل آمن بالله فيمن رفع المؤمنون بالابتداء دون العطف على الرسول في قوله‏:‏ آمن الرسول‏.‏

وهذه آية يتجاذبها على ما وصف لك سيبويه وأبو العباس لأن سيبويه يجيز إدخال لام التعريف على كل وبه قال الأخفش‏.‏

وقال المبرد‏:‏ لا يجوز واحتج المبرد بأن كلاً وبعضاً لا يكونان أبداً منفردين إنما يجيئان مضافين في الابتداء نحو قولك‏:‏ كل القوم جاءوني وبعضهم قال كيت وكيت ولا تقول كل جاءوني إلا أن يكون هذا مبنياً على كلام كأنه قيل‏:‏ ما جاءك القوم فقلت‏:‏ كل جاءوني على تقدير كلهم جاءوني‏.‏

وهذا الحكم في كل وبعض قائم فيهما أبداً مضافين أو في تقدير الإضافة وإذا كان كذلك لم يجز إدخال الألف واللام عليهما لأن الألف واللام والإضافة لا يجتمعان فثبت أنهما لا يدخلان عليهما ونحن نقيس البعض والكل على النصف‏.‏

وفي التنزيل‏:‏ وإن كانت واحدة فلها النصف‏.‏

وقد ذكرنا هذه المسألة في الخلاف مستقصى‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ولكل جعلنا موالي فقيل‏:‏ التقدير‏:‏ ولكل مال جعلنا موالي‏.‏

أو‏:‏ ولكل قوم جعلنا موالي‏.‏

والأول الوجه لقوله‏:‏ مما ترك الوالدان والأقربون وهو صفة كل أي‏:‏ ولكل مال مستقر مما تركه الوالدان أي‏:‏ متروك الوالدين‏.‏

والظرف وصف لكل‏.‏

وزعم أبو إسحاق أن أياً في قوله‏:‏ يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا ويا أيها الرسول ويا أيها الذين هادوا‏:‏ أن أياً حذف منها المضاف إليه وعوضت ها عما أضيفت إليه‏.‏

قال أبو إسحاق‏:‏ وها لازمة لأي عوض مما حذف منها من الإضافة وزيادة في التنبيه وأي في غير النداء لا يكون معها ها ويحذف معها الذكر نحو‏:‏ اضرب أيهم أفضل أي‏:‏ أيهم هو أفضل‏.‏

ومذهب سيبويه خلاف ما قال جعلوا ها فيها بمنزلة يا وأكدوا بها التنبيه فمن ثم لم يجز لهم أن يسكتوا على أي ولزمه التفسير‏.‏

وقوله ومن حيث أي‏:‏ من حيث ألزموها فصارا كاستئناف نداء‏.‏

وقال في موضع آخر‏:‏ وأما الألف والهاء اللتان لحقتا أي توكيداً فكأنك كررت يا مرتين إذا قلت يا وصار الاسم بينهما كما صار بين ذا وها وإذا قلت‏:‏ هاهو ذا فقوله‏:‏ ذا هذا إشارة إلى أن المقصود بالنداء في هذا الكلام هو‏:‏ الرجل كما أن المقصود بالإشارة في قولهم‏:‏ هاهو ذا‏:‏ الاسم المبهم دون المضمر والمضمر قد اعترض بين حرف الإشارة والمشار إليه كما أن المقصود في النداء في المعنى من قولهم‏:‏ يا أيها الرجل‏:‏ هو الرجل وإن كان النداء واقعاً في اللفظ على أي وصار هذا دلالة على هذا المعنى ولا يلزم أن يعوض أي منها فحذف الإضافة فيها لأنها تدل على الإضافة وإن حذف منها لأنها لا تكون إلا بعضاً لكل فهي دالة على الإضافة وكما لم يعوض كذلك ولا يلزم تعويض أي بل لو عوض بعض وكل لكان أي جديراً ألا يعوض هنا منه لأمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن النداء موضع حذف وتخفيف ألا ترى أن فيه نحو الترخيم وحذف الياآت ويافل وما أشبه ذلك‏.‏

والآخر‏:‏ أن الإضافة قد حذفت مما هو أمكن منه ولم تعوض لدلالة المضاف على الإضافة فإذا لم يعوض ما هو أمكن منه في الموضع الذي هو أولى بالعوض كذلك العوض هذا في الموضع الذي لا تليق به الزيادات للعوض‏.‏

وأيضاً فإن أياً قد حذفت صلتها في غير النداء ولم تعوض من صلتها شيء مع أن الدلالة على الحذف من الصلة أنقص من الدلالة على حذف المضاف إليه منه لأنها يعلم منها أن معناها الإضافة كيف كانت موصولة كالعلم بأنها أبداً مقتضية للإضافة‏.‏

فإذا لم تعوض من حذف صلتها شيء وإن قال قائل‏:‏ فإذٍ ليس بمتمكن وقد عوض إضافتها لما حذفت منها يومئذ وحينئذ وقوله‏:‏ ومن خزي يومئذ ومن فزع يومئذ وعذاب يومئذ فما تنكر أن تعوض أي في النداء‏.‏

إذا حذف المضاف إليه فإن لم يعوض من بعض وكل‏.‏

قيل له‏:‏ أي أشبه ببعض وكل في اللفظ والمعنى بحمله عليهما أولى من حملها على إذ على انه لا يلزم إذا عوض إذ أن يعوض أي لما ذكرنا من دلالتها على المضاف إليه بمعناها ولفظها ولأنها في موضع حذف وليست إذ كذلك ألا تراها أنها لا تدل على إضافة كما تدل أي عليه وإنما تدل على وقت ماض ولا تتمكن تمكن أي لأنها تتصرف في وجوه الإعراب وإذ إنما تمكنت في موضعين هذا أحدهما وكأنه كره أن يسلب ذلك ولا يعوض منه وأي أمكن منها وأشد تصرفاً فلم يلزم العوض منها من حيث لزم في إذ ولأنهم قالوا‏:‏ اضرب أي أفضل فحذفوا الصلة منه والإضافة ولم يعوضوا مع حذف شيئين فلأن لا يعوض في النداء أولى وقد استقصينا هذا في الخلاف‏.‏